أصحى يا مُدير
10 مارس 2019م
عندما لا تسمع حديث بين الموظفين سوى الهياكل والترقيات فأعلم بأنك أمام مؤسسات تعاني من شلل البيروقراطية القاتلة للمواهب والأبداع
تتباهى بعض المؤسسات بالروئ المُستقبلية في إسعاد المتعاملين وتبالغ كثيراً في خطط تبسيط الأجراءات بإستخدام مصطلحات مثل التحول الرقمي وتطبيق مبادرات الذكاء الأصطناعي والوعود بتنفيذ أخر صيحات التقدم العلمي في البلوكتشين وأنترنت الإشياء وغيرها من الأمور التي نسمعها ولكن عندما تجلس مع موظفي تلك المؤسسات يحدثونك عن الهياكل التنظيمية والمسار الوظيفي وسلم الدرجات أكثر من خطط مؤسساتهم الاستراتيجية فترى فجوة كبيرة بين أهتمامات الموسسة وأهتمامات الموظفين فما الذي يحدث في حقيقة الأمر وما هو الحل للحد من تداعيات البيروقراطية في المؤسسات.
تعتمد البيروقراطية على الهياكل التنظيمية وتسلسل الأدوار وتبني نظام هرمي للمناصب والمهام والواجبات وتضع الموظفين في إطار عمل محدد أو تخصصات معينة ويرى البعض أن للبيروقراطية محاسنها رغم أنها عبارة عن شرك قاتل للمواهب والأبداع لأنها لا تسمح للموظفين بأطلاق طاقاتهم الكامنة ومشاركة الأقسام المختلفة أفكارهم البناءة ومن واقع حقيقة تلك الموسسات عندما تسأل أحد موظفي خدمة المتعاملين عن أمر يتعلق بتحسين خدمة تحصيل الرسوم مباشرة يقاطعك الحديث ويقول لك هذا الأمر من أختصاص قسم المحاسبة رغم أن موظف خدمة المتعاملين هو من يقوم بعملية التحصيل أو عندما تسأل موظف من المؤسسة عن الخطط الرامية للتحول الرقمي تأتيك الأجابة أذهب عند الموظف المختص في قسم تقنية المعلومات للإجابة على تسؤلاتك و يتم توجيهك لأشخاص مُعينين للحصول على إجابات بسيطة الأمر الذي يجعلك تلاحظ أن الموسسة تعاني من البيروقراطية و موظفيها يعانون من ظلم وأستبداد في التقيم السنوي والمكافآت والترقيات بسبب توزيع الأدوار والمهام الغير عادل بين الموظفين نتيجة الاعتماد على أشخاص قلة في إنجاز وإتمام أهداف المؤسسة وهذا الظلم والأستبداد الذي سببه مدراء بيروقراطيين يكون سبب في أمتناع فريق العمل من مشاركة مؤسساتهم أفكارهم الدافعة لعجلة التقدم.
للحد من النظام البيروقراطي في المؤسسات يتوجب على المدراء تغيير أسلوبهم والتحول من مراقبي للأدوار الوظيفية وموزعي للمهام اليومية إلى قادة للتغيير من خلال بناء مجموعات لتنفيذ المشاريع و إعطاء المزيد من الصلاحيات للموظفين وخلق نظام مرن للمشاركة والتواصل بين المجموعات المختلفة وتمكين الموظفين وتحميلهم مسؤليات أكبر ومشاركتهم صنع القرار وخلق مساحات شاسعه لسماع صوت الموظف فالتحول الرقمي ومبادرات تطبيق البلوكتشين لا تأتي من قمة الهرم الوظيفي بل من القاع ولا يمتلك أدنى فكرة عن إمكانية تطبيق تلك المبادرات عن سواها و التي تطمح لها الإدارات العليا الا موظفي المؤسسة فالأمر لم يعد بحاجه للتركيز والمركزية والهيمنه والتسلط والهرمية في الوظائف، كما أن تنفيذ الخطط الهادفة للتغير لن يقوم بها الا موظفي المؤسسة ولضمان تنفيذ هذه الخطط بالشكل الأمثل يتوجب على المدراء أدراك ذلك في وقت مبكر بل قبل وضع تلك الخطط لانه لا يمكن تنفيذ خطط مثل التحول الرقمي في ظل انشغال الموظفين بنظام الترقيات والمكافآت وأن حدث ذلك سوف يتطلب الأمر لمزيد من خطط التصحيح التي هي في واقع الأمر عبء وتكلفة إضافية على المؤسسة.
أن التخلي عن البيروقراطية في ظل التقدم التكنلوجي في وقتنا الحالي ليس بالأمر الصعب هناك ممارسات وتجارب قامت بها شركات ناشئة مكنتها من إحراز تقدم وازدهار فاق توقعات كبرى الشركات بل أحدثت تغيير في مراكز ريادة الأعمال والجميل من كل ذلك بأن هذه الممارسات والتجارب ليست حكراً على دولة او قطاع معين بل يسهل الأطلاع عليها و تجربتها وتطبيقها تحت ما يعرف بأسم البدء من اين أنتهى إلية الآخرون، فعملية تشكيل فريق نموذجي لأداء مهام مشروع ما لن يكلف الشركة شي على أن يُمكّن هذا الفريق ويدعم بشكل صحيح بل يكون جزء من مسؤولية الفريق تحقيق الاهداف و يكون الفريق نفسة هو من يضع تلك الأهداف لا أن تفرض عليه كما جرت العادة.
تُصنف مستعمرات النمل والنحل تحت فصيلة الحشرات الاجتماعية وهي لا تقوم على هياكل تنظيمية ولا توجد لها مسارات وظيفية ولا تقيمات جرسية ويحكم العمل في تلك المستعمرات المسؤولية المطلقة والصلاحيات على مستوى مجموعات العمل و هي تُعد من أفضل النماذج التي يمكن الاستعانة بها لمغالطة نموذج البيروقراطية فتعمل تلك الحشرات على أهداف مختلفه يتم تحقيقها في وقت قصير على عكس ما نراه في مؤسسات السلم الوظيفي ومنها يتوجب علينا إعادة النظر في الوظائف ومعايير التوظيف وفِي المناصب والعقبات التي نضعها في الصلاحيات واتخاذ القرار وذلك لنلحق بعجلة التقدم العلمي التي باتت تسبق خططنا وطموحاتنا المستقبلية .
بقلم: سيف تويلي النعيمي – العين
اترك تعليقًا